الأربعاء، 20 أغسطس 2025

قصص سعد مكاوي

العالم في لحظة: مجموعة "الرقص على العشب الأخضر" لسعد مكاوي وشعرية القصة القصيرة المصرية
مقدمة: تحديد موقع "الرقص على العشب الأخضر"
يحتل سعد مكاوي مكانة محورية في الأدب المصري الحديث، إلا أن أعماله القصصية الغزيرة، التي تشكل جزءاً أساسياً من مشروعه الإبداعي، قد طغت عليها شهرة رواياته التاريخية الكبرى. وفي هذا السياق، تبرز مجموعته القصصية "الرقص على العشب الأخضر"، الصادرة عام 1962، ليس كعمل ثانوي، بل كنص مفصلي يعكس ذروة نضجه الفني. يواجه أي باحث في هذا العمل تحدياً منهجياً جوهرياً يتمثل في الغياب شبه التام للتحليلات النقدية المباشرة، أو الملخصات، أو حتى المقتطفات النصية من قصص هذه المجموعة تحديداً في المصادر المتاحة. 
انطلاقاً من هذا التحدي، يطرح هذا التقرير أن أهمية مجموعة "الرقص على العشب الأخضر" يمكن إعادة بنائها من خلال تحليل سياقي دقيق. فمن خلال فحص التكوين الفكري للمؤلف، والمناخ الاجتماعي والسياسي الذي ساد مصر في أوائل الستينيات، وتحديد الموقع الزمني الدقيق للمجموعة قبيل صدور رائعته "السائرون نياماً"، يمكننا إلقاء الضوء على اهتماماتها الموضوعية المحتملة ودورها الحيوي كمختبر للتقنيات الرمزية التي ستحدد ملامح أعماله اللاحقة. إن هذه المجموعة، كما سيتضح، ليست مجرد حلقة في سلسلة إبداعه، بل هي الجسر الذي عبر عليه مكاوي من الواقعية الاجتماعية إلى الملحمة الرمزية الكبرى. 
القسم الأول: تكوين كاتب: التشكل الفكري لسعد مكاوي
يقوم هذا القسم ببناء سيرة فكرية مفصلة، محاججاً بأن حداثة مكاوي الأدبية الفريدة تنبع من توليفة بين تجربتين تكوينيتين قويتين ومتناقضتين ظاهرياً: القرية المصرية وباريس الكوزموبوليتانية.
1.1 القرية كبوتقة: الواقعية والوعي الريفي
ولد سعد مكاوي في قرية "الدلاتون" بمحافظة المنوفية عام 1916، وهي البيئة التي استلهم منها مادته الأدبية بشكل مباشر، حتى أنه خصص لها مجموعة قصصية كاملة بعنوان "الماء العكر".123 هذا الانغماس في تفاصيل الحياة الريفية أرسى لديه أساساً متيناً في الواقعية الاجتماعية. ولم يكن تكوينه قروياً بالمعنى الضيق، فقد شكلت مكتبة والده، مدرس اللغة العربية، وجلساته الأدبية اليومية مع الفلاحين المثقفين، مصدراً مبكراً لوعيه، حيث كانت تدور النقاشات حول العقيدة والتصوف والفكر والأدب، مما فتح أمامه آفاقاً فكرية واسعة.4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق