كندا في عامي 2012 و 2013: تقرير تحليلي شامل للأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية
مقدمة: كندا على مفترق طرق
مع بزوغ فجر عام 2012، كانت كندا تقف على أرض سياسية واقتصادية جديدة. للمرة الأولى، كانت حكومة المحافظين بقيادة رئيس الوزراء ستيفن هاربر تحكم بأغلبية برلمانية، بعد فوزها في الانتخابات الفيدرالية في مايو 2011. منحت هذه الأغلبية الحكومة تفويضًا قويًا وقدرة غير مسبوقة على تنفيذ أجندتها دون الحاجة إلى دعم من أحزاب المعارضة. في الوقت نفسه، كان الاقتصاد الكندي، على الرغم من أدائه القوي نسبيًا مقارنة بدول مجموعة السبع الأخرى، لا يزال يتعافى من الركود العالمي لعام 2008 ويواجه رياحًا معاكسة كبيرة قادمة من الأزمات الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة.
يستعرض هذا التقرير التحليلي الشامل أحداث عامي 2012 و 2013 في كندا، وهي فترة تميزت بتوتر ديناميكي فريد. من جهة، كانت هناك حكومة فيدرالية واثقة من نفسها، تتبنى نهجًا من القمة إلى القاعدة لتمرير تشريعات واسعة النطاق وإعادة تشكيل السياسات الخارجية والاقتصادية للبلاد. ومن جهة أخرى، شهدت هذه الفترة صعودًا غير مسبوق لحركات اجتماعية شعبية قوية، انطلقت من الشوارع لتتحدى هذه الأجندة الحكومية. يكمن جوهر هذا التقرير في استكشاف هذا التفاعل بين القوة الحكومية المركزة والمقاومة الشعبية المنظمة.
سيتناول التقرير بالتفصيل الأحداث الرئيسية التي شكلت هذه الفترة، بدءًا من التشريعات الشاملة المثيرة للجدل التي أثارت حركات احتجاجية على مستوى البلاد، مثل إضراب طلاب كيبيك وحركة "Idle No More"، وصولًا إلى الفضائح السياسية التي هزت أروقة السلطة في أوتاوا. كما سيسلط الضوء على المآسي الوطنية التي وحدت الكنديين في حزنهم، مثل كارثة قطار لاك ميغانتيك وفيضانات ألبرتا، وفي المقابل، اللحظات المشرقة من الفخر الوطني الجماعي التي تجسدت في الإنجازات الأولمبية والمهمة الملهمة لرائد الفضاء كريس هادفيلد. من خلال تحليل هذه الأحداث المترابطة، يسعى التقرير إلى تقديم صورة متكاملة لكندا خلال عامين حاسمين كانا بمثابة مفترق طرق حقيقي، حيث تم إعادة تعريف ملامح النقاش الوطني ورسم مسار البلاد لما تبقى من العقد.
الفصل الأول: المشهد السياسي تحت حكومة المحافظين
شهدت فترة 2012-2013 استعراضًا لقوة حكومة المحافظين التي استخدمت أغلبيتها البرلمانية لتنفيذ أجندة سياسية وتشريعية طموحة. هذا النهج الحاسم، وإن كان فعالًا في تحقيق أهداف الحكومة، أثار جدلاً واسعًا وتحديات كبيرة، بدءًا من التشريعات الشاملة وصولًا إلى أزمة ثقة هزت مجلس الشيوخ.
1.1 الأجندة التشريعية الطموحة والمثيرة للجدل
كان استخدام مشاريع القوانين الشاملة (Omnibus Bills) إحدى أبرز الأدوات التي استخدمتها حكومة هاربر. سمحت هذه القوانين الضخمة للحكومة بتمرير مجموعة واسعة من التغييرات التشريعية في حزمة واحدة، مما حد من قدرة المعارضة على التدقيق والمناقشة التفصيلية. كان أبرز مثال على ذلك هو مشروع القانون C-45، المعروف رسميًا باسم "قانون الوظائف والنمو لعام 2012"، الذي قُدم في أكتوبر 2012. أحدث هذا القانون وحده تغييرات في أكثر من 60 قانونًا قائمًا، وشمل تعديلات جوهرية أثارت قلقًا عميقًا لدى مجموعات مختلفة. من بين أبرز التعديلات كانت تلك التي طالت "القانون الهندي" (Indian Act)، والتي سهّلت تأجير أراضي المحميات، بالإضافة إلى تغييرات جذرية في "قانون حماية الملاحة المائية" (Navigable Waters Protection Act)، الذي أدى فعليًا إلى إزالة الحماية الفيدرالية عن 99% من بحيرات وأنهار كندا، مما أثار غضب المدافعين عن البيئة ومجتمعات السكان الأصليين. كما قلص القانون من نطاق "قانون التقييم البيئي"، مما سهل على المشاريع الصناعية الكبرى المضي قدمًا دون تقييمات بيئية صارمة.
إلى جانب القوانين الشاملة، شهدت الساحة البرلمانية نقاشات تشريعية هامة أخرى عكست التوجهات الأيديولوجية للحكومة وقاعدة ناخبيها. في 26 سبتمبر 2012، هُزم اقتراح M-312 في مجلس العموم، وهو اقتراح كان يهدف إلى إعادة فتح النقاش حول الإجهاض في كندا. على الرغم من هزيمته بأغلبية 203 أصوات مقابل 91، إلا أن النقاش كشف عن وجود تيار محافظ اجتماعي قوي داخل الحزب الحاكم، وفي الوقت نفسه أظهر إجماعًا برلمانيًا أوسع على عدم المساس بالحقوق القائمة. وفي تطور قضائي ذي أهمية تشريعية مستقبلية، أصدرت المحكمة العليا الكندية في 20 ديسمبر 2013 قرارًا تاريخيًا بالإجماع يقضي بإلغاء القوانين المتعلقة بالبغاء في البلاد، معتبرة إياها غير دستورية لأنها تعرض العاملين في هذا المجال للخطر. هذا القرار لم يشرعن البغاء، بل وضع الكرة في ملعب الحكومة الفيدرالية لصياغة تشريعات جديدة، مما مهد الطريق لمعركة سياسية وقانونية جديدة في السنوات التالية.
1.2 السياسة الخارجية وإصلاحات الهجرة
اتبعت حكومة هاربر سياسة خارجية حازمة، غالبًا ما وُصفت بأنها "مبدئية"، والتي تميزت بمواقف قوية وحاسمة. تجلى هذا النهج بوضوح في 7 سبتمبر 2012، عندما أعلنت كندا بشكل مفاجئ إغلاق سفارتها في طهران وطرد جميع الدبلوماسيين الإيرانيين من أوتاوا، معلنة أن إيران تشكل "تهديدًا للسلم العالمي". مثّل هذا القرار قطيعة حادة مع النهج الدبلوماسي التقليدي لكندا، وأشار إلى استعداد الحكومة لاتخاذ مواقف أحادية قوية في الشؤون الدولية.
داخليًا، كانت سياسات الهجرة واللجوء تخضع لعملية إصلاح شاملة وعميقة. بدأت التغييرات في عام 2012، حيث تم إدخال نظام جديد أدى إلى إنشاء نظام من مستويين لطالبي اللجوء. بموجب هذا النظام، يواجه اللاجئون القادمون من "بلدان المنشأ المعينة" (DCOs) - وهي دول تعتبرها كندا "آمنة" - جداول زمنية قصيرة للغاية لمعالجة طلباتهم، مع حرمانهم من حق الاستئناف. استمر هذا الاتجاه في عام 2013، حيث أصبحت الإقامة الدائمة، كما وصفها المجلس الكندي للاجئين، "أقل ديمومة". أُدخلت قواعد جديدة سهّلت فقدان وضع الإقامة الدائمة، بما في ذلك سياسة "الإقامة الدائمة المشروطة" للأزواج المكفولين، والتي تشترط بقاء الزوجين معًا لمدة عامين وإلا يواجه الشريك المكفول خطر الترحيل، مما أثار مخاوف بشأن زيادة تعرض النساء للعنف الأسري. بشكل عام، شهدت هذه الفترة تحولًا واضحًا في فلسفة الهجرة الكندية، حيث تم إعطاء الأولوية القصوى للعوامل الاقتصادية على حساب لم شمل الأسر وحماية اللاجئين، وتحول برنامج إعادة التوطين من برنامج عالمي إلى برنامج يستهدف عددًا محدودًا من البلدان بناءً على أولويات تحددها الحكومة. كان هذا التحول جزءًا من رؤية أوسع تهدف إلى إعادة تعريف الهوية الوطنية الكندية لتكون أكثر براغماتية من الناحية الاقتصادية وأكثر حذرًا من الناحية الأمنية.
1.3 فضيحة نفقات مجلس الشيوخ: أزمة في قلب السلطة
في عام 2013، اهتزت حكومة المحافظين بفضيحة سياسية كبرى نشأت في مجلس الشيوخ، وهو المجلس الذي يُفترض أن يكون رمزًا للرصانة والتدقيق. بدأت الأزمة مع ظهور مزاعم بأن عددًا من أعضاء مجلس الشيوخ كانوا يطالبون بشكل غير قانوني بتعويضات عن نفقات السكن والسفر. تركزت الادعاءات بشكل أساسي على أعضاء مجلس الشيوخ مايك دافي، باميلا والين، وباتريك برازو - وجميعهم تم تعيينهم من قبل رئيس الوزراء هاربر - بالإضافة إلى السيناتور ماك حرب، الذي عينه رئيس وزراء ليبرالي سابق. كانت القواعد تسمح لأعضاء مجلس الشيوخ الذين يزيد محل إقامتهم الأساسي عن 100 كيلومتر من أوتاوا بالمطالبة بنفقات معيشة لمسكن ثانوي في العاصمة. لكن التحقيقات أثارت تساؤلات حول ما إذا كان هؤلاء الأعضاء قد صرحوا بشكل صحيح عن محل إقامتهم الأساسي.
تصاعدت الفضيحة بشكل كبير عندما تم الكشف عن أن رئيس ديوان رئيس الوزراء، نايجل رايت، قد أعطى شخصيًا شيكًا بقيمة 90 ألف دولار للسيناتور دافي لتسديد النفقات التي طُلب منه إعادتها. كان الهدف من هذه الخطوة هو احتواء الأزمة وإخماد الجدل، لكنها أدت إلى نتيجة عكسية تمامًا، حيث أشعلت عاصفة سياسية وأثارت اتهامات بمحاولة التستر. أدت هذه الحادثة إلى استقالة نايجل رايت من منصبه، ووضعت رئيس الوزراء هاربر في موقف دفاعي حرج، حيث اضطر مرارًا وتكرارًا للإجابة على أسئلة حول ما كان يعرفه ومتى عرفه. كانت هذه الأزمة محرجة بشكل خاص للحكومة التي وصلت إلى السلطة في عام 2006 واعدة بـ "تنظيف" أوتاوا وتعزيز "ثقافة المساءلة" بعد فضيحة الرعاية التي تورط فيها الحزب الليبرالي. الآن، وجدت حكومة المحافظين نفسها متورطة في فضيحة أخلاقية خاصة بها، تتعلق بأشخاص عينتهم هي بنفسها.
بلغت الأزمة ذروتها في نوفمبر 2013، عندما اتخذ مجلس الشيوخ خطوة غير مسبوقة بالتصويت على تعليق عضوية السيناتورات دافي ووالين وبرازو دون أجر. كان هذا الإجراء الدراماتيكي بمثابة اعتراف بخطورة الأزمة وتأثيرها المدمر على ثقة الجمهور في المؤسسة السياسية. تركت الفضيحة بصمة دائمة على فترة حكم هاربر، وقوضت بشكل كبير صورته كزعيم يفرض الانضباط والنزاهة.
1.4 ديناميكيات برلمانية وانتخابات فرعية
عكست الديناميكيات داخل مجلس العموم خلال عامي 2012 و 2013 التوترات السياسية والأيديولوجية التي كانت تسود البلاد. شهدت هذه الفترة حراكًا ملحوظًا في الانتماءات الحزبية. ففي يناير 2012، عبرت النائبة ليز سانت-ديني عن الحزب الديمقراطي الجديد (NDP) قاعة البرلمان لتنضم إلى الحزب الليبرالي. وفي فبراير 2013، قام النائب كلود باتري، الذي كان ينتمي أيضًا إلى الحزب الديمقراطي الجديد، بالانضمام إلى كتلة كيبيك (Bloc Québécois). كما شهدت هذه الفترة مغادرة عدد من النواب لكتلهم الحزبية للجلوس كمستقلين، احتجاجًا على سياسات أحزابهم. أبرزهم كان بروس هاير، الذي غادر الحزب الديمقراطي الجديد بسبب خلاف حول سجل الأسلحة النارية، وبرنت راثغيبر، الذي غادر كتلة المحافظين مشيرًا إلى "عدم التزام الحكومة بالشفافية والحكومة المفتوحة".
على صعيد الحكومة، شهدت هذه الفترة سلسلة من الاستقالات الوزارية الهامة التي سلطت الضوء على الضغوط المختلفة التي كانت تواجهها حكومة هاربر. استقالت وزيرة التعاون الدولي بيف أودا في يوليو 2012 وسط جدل حول نفقاتها. كما استقال وزير الشؤون الحكومية الدولية بيتر بيناشو في مارس 2013 بسبب مخالفات في تمويل حملته الانتخابية، واستقال وزير السلامة العامة فيك تويفر في يوليو 2013 لأسباب شخصية.
على المستوى الإقليمي، قدمت الانتخابات صورة متباينة للمزاج السياسي في البلاد. كانت انتخابات كيبيك في سبتمبر 2012 ذات أهمية خاصة، حيث أدت إلى هزيمة حكومة جان شاريه الليبرالية وصعود حكومة أقلية لحزب كيبيك (Parti Québécois) بقيادة بولين ماروا، وهي أول امرأة تتولى رئاسة وزراء المقاطعة. كان لهذا التغيير تأثير مباشر على إنهاء إضراب الطلاب. وفي ألبرتا، فاز حزب المحافظين التقدمي بأغلبية في انتخابات أبريل 2012، على الرغم من التحدي القوي من حزب وايلدروز المحافظ اجتماعيًا. وفي عام 2013، شهدت نوفا سكوشا تغييرًا في الحكومة، حيث هُزمت حكومة الحزب الديمقراطي الجديد أمام الحزب الليبرالي بقيادة ستيفن ماكنيل. عكست هذه النتائج الإقليمية المتنوعة عدم وجود اتجاه سياسي وطني موحد، وأظهرت أن السياسة الإقليمية كانت تتأثر بقضايا وهموم محلية فريدة.
الفصل الثاني: الاقتصاد الكندي - صمود في وجه التقلبات العالمية
تميز أداء الاقتصاد الكندي خلال عامي 2012 و 2013 بالصمود في مواجهة بيئة عالمية غير مستقرة. فبينما كانت العديد من الاقتصادات المتقدمة تكافح للتعافي من الأزمة المالية، أظهرت كندا قوة نسبية، مدعومة بالطلب المحلي وسياسات حكومية استباقية. ومع ذلك، لم يكن الاقتصاد محصنًا ضد التباطؤ العالمي، وشهدت هذه الفترة تحديات هيكلية ومخاطر كامنة.
2.1 الأداء الاقتصادي العام: قصة صمود
في أعقاب الركود العالمي، برزت كندا كواحدة من أقوى الاقتصادات أداءً ضمن مجموعة السبع (G7). تشير البيانات إلى أن كندا حققت أقوى نمو اقتصادي وأقوى نمو في الوظائف بين دول المجموعة في فترة التعافي من 2009 إلى 2012. بحلول مارس 2012، كان عدد العاملين في كندا يزيد بمقدار 610,000 شخص عما كان عليه في بداية فترة التعافي. توقع الاقتصاديون في القطاع الخاص نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.1% في عام 2012 و 2.4% في عام 2013. كانت هذه الأرقام الإيجابية مدعومة بأساسيات اقتصادية قوية وخطة عمل اقتصادية حكومية قدمت حوافز في الوقت المناسب.
ومع ذلك، بدأت وتيرة النمو تتباطأ خلال عامي 2012 و 2013. تباطأ توسع الطلب المحلي، وهدأ قطاع الإسكان الذي كان محموماً، وأثرت البيئة الخارجية غير المؤكدة على استثمارات الشركات. استمر صافي الصادرات في التأثير سلبًا على النمو، حيث أثر ضعف الطلب الخارجي وقوة العملة الكندية على الصادرات، مما أدى إلى اتساع حاد في عجز الحساب الجاري. نتيجة لذلك، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة أكثر تواضعًا بلغت 2.0% في عام 2013، وشهد نمو التوظيف أبطأ وتيرة له منذ عام 2009.
ظلت المخاطر السلبية الناجمة عن البيئة العالمية الهشة تشكل التحدي الأكبر. كانت أزمة الديون السيادية والقطاع المصرفي في أوروبا مصدر قلق رئيسي، حيث أثرت على الأسواق المالية والثقة العالمية. دفعت هذه المخاطر الحكومة إلى توخي الحذر في توقعاتها المالية، حيث قامت بتعديل توقعات القطاع الخاص للناتج المحلي الإجمالي الاسمي بالخفض لتعكس حالة عدم اليقين. كان هذا التوازن بين الأداء المحلي القوي والمخاطر الخارجية السمة المميزة للاقتصاد الكندي في هذه الفترة.
2.2 السياسات الاقتصادية والمبادرات الحكومية
استجابت حكومة هاربر للتحديات الاقتصادية من خلال مجموعة من السياسات التي ركزت على ضبط الأوضاع المالية، وتوسيع التجارة، ودعم الابتكار. كانت "خطة العمل الاقتصادي" هي الإطار العام لهذه المبادرات، حيث ركزت ميزانية 2012 بشكل كبير على العودة إلى تحقيق توازن في الميزانية الفيدرالية بعد سنوات من الإنفاق التحفيزي.
كانت أجندة التجارة الدولية حجر الزاوية في الاستراتيجية الاقتصادية للحكومة. تمثل الإنجاز الأبرز في هذا المجال في التوصل إلى اتفاق مبدئي تاريخي بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين كندا والاتحاد الأوروبي (CETA) في أكتوبر 2013. وُصف هذا الاتفاق بأنه إنجاز تاريخي من شأنه أن يمنح كندا وصولاً تفضيليًا إلى سوق يضم أكثر من 500 مليون مستهلك، ويمثل خطوة استراتيجية هامة لتنويع الشركاء التجاريين لكندا بعيدًا عن الاعتماد المفرط على السوق الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة بتفعيل اتفاقيات تجارة حرة مع بنما وهندوراس، وأبرمت عددًا قياسيًا من اتفاقيات ترويج وحماية الاستثمار الأجنبي (FIPAs) مع دول مثل نيجيريا وتنزانيا.
على الصعيد المحلي، أطلقت الحكومة مبادرات لدعم الابتكار والبنية التحتية. تم تحويل المجلس الوطني للبحوث (NRC) إلى منظمة بحثية وتكنولوجية تركز على احتياجات الصناعة، وتم تجديد صندوق الابتكار في قطاع السيارات لتعزيز البحث والتطوير. كما تم إطلاق "برنامج الابتكار الكندي للبناء" (Build in Canada Innovation Program) لمساعدة الشركات على نقل منتجاتها المبتكرة من المختبر إلى السوق. وفي مجال البنية التحتية، تم الإعلان عن "خطة بناء كندا الجديدة" (New Building Canada Plan) لتمويل مشاريع الطرق والجسور والنقل العام بالتعاون مع المقاطعات والبلديات. عكست هذه السياسات رؤية حكومية تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الكندي على المدى الطويل من خلال الانفتاح على الأسواق العالمية والاستثمار في الابتكار والبنية التحتية.
2.3 تحليل قطاعي: محركات النمو والتحديات
كشف تحليل بنية الاقتصاد الكندي خلال هذه الفترة عن وجود اقتصاد بسرعتين، حيث كانت بعض القطاعات محركات قوية للنمو بينما واجهت قطاعات أخرى تحديات كبيرة.
كان قطاع الخدمات هو المهيمن بشكل واضح على الاقتصاد. في عام 2012، شكل قطاع الخدمات حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي ووظف حوالي 76% من القوة العاملة، مما يجعله العمود الفقري للاقتصاد الكندي. تركزت غالبية الوظائف الجديدة التي تم إنشاؤها في عام 2013 في هذا القطاع، وخاصة في مجال الخدمات المهنية والعلمية والتقنية، الذي شهد نموًا قويًا.
في المقابل، واجه قطاع إنتاج السلع، وخاصة قطاع الصناعات التحويلية، صعوبات كبيرة. فقد هذا القطاع 35,100 وظيفة في عام 2013، وكان القطاع الصناعي الرئيسي الوحيد الذي لم يسجل نموًا في الإنتاج في ذلك العام. يعكس هذا التراجع تحولًا هيكليًا طويل الأمد في الاقتصادات المتقدمة بعيدًا عن التصنيع ونحو الخدمات، وهو ما كان له تداعيات كبيرة على المناطق التي تعتمد تاريخيًا على الصناعة، مثل أونتاريو.
لعبت الشركات الصغيرة (التي توظف أقل من 100 موظف) دورًا حيويًا في الاقتصاد. في عام 2012، شكلت هذه الشركات 98% من إجمالي الشركات في كندا. وعلى الرغم من صغر حجمها، كانت مسؤولة عن 25% من إجمالي قيمة الصادرات الكندية، مما يدل على أهميتها في التجارة الدولية. ومع ذلك، فإن هذا الأداء الإيجابي الكلي للاقتصاد لم ينعكس بالتساوي على جميع فئات المجتمع. فبينما كانت المؤشرات الاقتصادية الكلية قوية، كان الشباب يواجهون معدلات بطالة مرتفعة وصلت إلى 14.8% في يونيو 2012، وهو أعلى مستوى لها منذ 21 شهرًا. هذا التباين بين النجاح الاقتصادي الكلي والتحديات التي يواجهها قطاعات معينة وفئات ديموغرافية محددة يكشف عن تعقيدات المشهد الاقتصادي الكندي في تلك الفترة.
جدول 2.1: هيكل الاقتصاد الكندي، 2012
| القطاع | المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي (%) | القوة العاملة حسب القطاع (%) |
|---|---|---|
| الزراعة | 1.7 | 2 |
| الصناعة / التصنيع | 28.5 | 13 |
| الخدمات | 69.8 | 76 |
المصادر:
يوضح هذا الجدول بشكل جلي هيمنة قطاع الخدمات على الاقتصاد الكندي، سواء من حيث مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي أو من حيث استيعابه للعمالة، مما يؤكد على أهميته كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي والتوظيف في البلاد.
الفصل الثالث: حركات احتجاجية تهز المشهد الاجتماعي
لم تكن فترة 2012-2013 مجرد فترة من المناورات السياسية والتقلبات الاقتصادية، بل كانت أيضًا عصرًا للاحتجاجات الاجتماعية واسعة النطاق. حركتان على وجه الخصوص، إضراب طلاب كيبيك وحركة "Idle No More"، لم تهزا فقط المشهد الاجتماعي، بل أعادتا تعريف أساليب النشاط المدني في كندا وأجبرتا الحكومات على الاستجابة. كانت كلتا الحركتين ردود فعل مباشرة على سياسات حكومية محددة، مما يوضح العلاقة السببية القوية بين قرارات السلطة والتعبئة الشعبية.
3.1 "الربيع القيقبي": إضراب طلاب كيبيك
في ما أصبح يعرف بـ "الربيع القيقبي" (Maple Spring)، شهدت مقاطعة كيبيك في عام 2012 أطول إضراب طلابي في تاريخ كندا. انطلقت شرارة الاحتجاجات في 13 فبراير 2012، كرد فعل على خطة حكومة كيبيك الليبرالية بقيادة جان شاريه لزيادة الرسوم الدراسية الجامعية بنسبة 75% على مدى خمس سنوات. سرعان ما تصاعدت الحركة، حيث شارك أكثر من 36,000 طالب في المظاهرة الأولى، وتضخمت الأعداد لتصل إلى ما يقدر بـ 200,000 شخص في مسيرة ضخمة في مونتريال في 22 مارس.
تميزت الحركة بتكتيكاتها المبتكرة والرمزية. اعتمد الطلاب على المسيرات الحاشدة في الشوارع، وحصار المباني الحكومية ومكاتب الشركات التي دعمت زيادة الرسوم، وحتى أشكال من المسرح الاحتجاجي. أصبح "المربع الأحمر" (carré rouge)، الذي كان يرتديه المحتجون، رمزًا قويًا للحركة، حيث كان يشير إلى ديون الطلاب ("in the red") وفي الوقت نفسه يمثل مقاومة أوسع لسياسات التقشف. لكن التكتيك الأكثر تأثيرًا كان احتجاجات "الكاسرولات" (Casseroles)، حيث بدأ السكان في جميع أنحاء المقاطعة بقرع الأواني والمقالي كل مساء. نقل هذا التكتيك البسيط والفعال الاحتجاج من حرم الجامعات إلى الأحياء السكنية، وحشد دعمًا شعبيًا واسعًا، بل وألهم مظاهرات تضامنية في مدن أخرى عبر كندا من فانكوفر إلى هاليفاكس.
كان رد الحكومة قاسيًا. ففي مايو 2012، مررت الحكومة قانونًا طارئًا مثيرًا للجدل، هو القانون 78 (المعروف أيضًا بالقانون 12)، الذي فرض قيودًا صارمة على الحق في التظاهر، مثل اشتراط إبلاغ الشرطة مسبقًا بثماني ساعات عن أي تجمع يضم أكثر من 50 شخصًا. بدلاً من إخماد الحركة، أدى هذا القانون إلى تأجيج الغضب وتوسيع قاعدة المعارضة للحكومة.
في النهاية، كان للحركة تأثير سياسي حاسم. أدت الاحتجاجات المستمرة والمعارضة الشعبية الواسعة للقانون 78 إلى تآكل شعبية الحكومة الليبرالية. وفي الانتخابات الإقليمية التي جرت في 4 سبتمبر 2012، هُزم حزب جان شاريه، وفاز حزب كيبيك (Parti Québécois) بحكومة أقلية بقيادة بولين ماروا. وفور توليها السلطة، قامت ماروا بإلغاء زيادة الرسوم الدراسية وإلغاء القانون 78، في انتصار واضح للحركة الطلابية. لم يقتصر تأثير الحركة على إلغاء الرسوم، بل أثارت نقاشًا وطنيًا أوسع حول إمكانية الوصول إلى التعليم وجودته ودور الجامعات في المجتمع.
3.2 حركة "Idle No More": صحوة حقوق السكان الأصليين
في أواخر عام 2012، ظهرت حركة احتجاجية شعبية أخرى، لكن هذه المرة كانت جذورها في مجتمعات السكان الأصليين. تأسست حركة "Idle No More" (والتي تعني "لا خمول بعد الآن") في نوفمبر 2012 على يد أربع نساء من مقاطعة ساسكاتشوان، كرد فعل مباشر على مشروع القانون الفيدرالي الشامل C-45 الذي قدمته حكومة هاربر. كانت حجة النشطاء الأساسية هي أن مشروع القانون، الذي أضعف بشكل كبير حماية البيئة وعدّل "القانون الهندي"، قد تم تمريره دون استشارة مناسبة مع الأمم الأولى، مما يشكل انتهاكًا لـ "واجب التاج في التشاور" (duty to consult)، وهو مبدأ قانوني راسخ في كندا.
انتشرت الحركة بسرعة مذهلة، مدفوعة بقوة وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر. اتخذت الاحتجاجات أشكالاً متنوعة ومبتكرة. بالإضافة إلى الجلسات التثقيفية والمسيرات وحصار الطرق والسكك الحديدية، اشتهرت الحركة بـ "الرقصات الدائرية" (round dances) التي نُظمت كـ "تجمعات مفاجئة" (flash mobs) في مراكز التسوق المزدحمة خلال موسم أعياد الميلاد، مما لفت انتباه وسائل الإعلام والجمهور بشكل كبير.
برزت شخصيتان وحدثان رمزيان بشكل خاص. الأول كان الإضراب عن الطعام (اقتصارًا على السوائل) الذي قامت به زعيمة أمة أتوابيسكات الأولى، تيريزا سبينس، لمدة ستة أسابيع من ديسمبر 2012 إلى يناير 2013، للمطالبة بلقاء مع رئيس الوزراء لمناقشة حقوق المعاهدات. والثاني كان "رحلة نيشيو" (The Journey of Nishiyuu)، وهي مسيرة ملحمية قطع فيها شباب من أمة الكري في شمال كيبيك مسافة 1600 كيلومتر سيرًا على الأقدام في شتاء قارس، وصولًا إلى تل البرلمان في أوتاوا في مارس 2013، حيث استقبلهم الآلاف من المؤيدين.
حققت حركة "Idle No More" نجاحًا كبيرًا في إعادة قضايا حقوق السكان الأصليين والسيادة البيئية إلى صدارة الأجندة الوطنية. امتد تأثيرها إلى خارج كندا، حيث نُظم "يوم العمل العالمي لحركة Idle No More" في 28 يناير 2013، وشهد فعاليات في الولايات المتحدة وأوروبا. ضغطت الحركة على الحكومة وأجبرتها على عقد اجتماع بين رئيس الوزراء وقادة الأمم الأولى. والأهم من ذلك، أنها تركت إرثًا دائمًا من خلال تنشيط جيل جديد من نشطاء السكان الأصليين وحلفائهم، وضمان بقاء قضايا السيادة وحقوق المعاهدات في صلب النقاش العام في كندا.
الفصل الرابع: مآسٍ وطنية وتحديات السلامة العامة
إلى جانب الاضطرابات السياسية والاجتماعية، شهدت كندا خلال هذه الفترة سلسلة من الكوارث المأساوية التي هزت ضمير الأمة واختبرت قدرة المجتمعات على الصمود. كشفت هذه الأحداث عن نقاط ضعف في البنية التحتية والأنظمة التنظيمية، وأجبرت الكنديين على مواجهة أسئلة صعبة حول السلامة والمسؤولية.
4.1 كارثة قطار لاك ميغانتيك (2013): جرح في قلب كيبيك
في الساعات الأولى من صباح يوم 6 يوليو 2013، وقعت واحدة من أسوأ كوارث السكك الحديدية في تاريخ كندا الحديث. خرج قطار شحن غير مراقب، يتكون من 72 عربة صهريج محملة بالنفط الخام، عن مساره في قلب بلدة لاك ميغانتيك الهادئة في كيبيك. أدى خروج القطار عن مساره إلى انفجارات كارثية أشعلت حريقًا هائلاً تحول إلى جحيم ناري اجتاح وسط البلدة.
كانت الخسائر البشرية والمادية مروعة. أودت الكارثة بحياة 47 شخصًا، ودمرت أكثر من 30 مبنى في مركز البلدة، بما في ذلك المكتبة العامة والعديد من الشركات والمنازل. وصفت إحدى الناجيات المشهد قائلة: "شاهدنا سحابات من النار على شكل فطر ترتفع في السماء". أظهرت التحقيقات اللاحقة أن الكارثة كانت نتيجة لسلسلة من الإخفاقات، بما في ذلك الإهمال، وعدم تأمين القطار بشكل كافٍ، وضعف الصيانة، وثقافة السلامة المتراخية لدى شركة السكك الحديدية، بالإضافة إلى ضعف الرقابة التنظيمية الحكومية.
لم تكن كارثة لاك ميغانتيك مجرد حادث مأساوي، بل كانت بمثابة جرس إنذار وطني. لقد كشفت بشكل وحشي عن المخاطر الخفية المصاحبة للطفرة النفطية في أمريكا الشمالية، والتي أدت إلى زيادة هائلة في نقل النفط الخام عبر السكك الحديدية دون وجود أنظمة سلامة مواكبة. أثارت الكارثة نقاشًا وطنيًا عميقًا حول سلامة السكك الحديدية، ونقل المواد الخطرة، ومسؤولية الشركات، وأدت إلى تغييرات تنظيمية كبيرة في السنوات التي تلتها.
4.2 فيضانات ألبرتا (2013): أسوأ فيضان في تاريخ المقاطعة
قبل أسابيع قليلة من كارثة لاك ميغانتيك، واجهت منطقة جنوب ألبرتا كارثة طبيعية ذات أبعاد تاريخية. في يونيو 2013، أدت الأمطار الغزيرة التي هطلت على طبقة ثلجية كثيفة في جبال روكي إلى فيضانات كارثية وصفتها حكومة المقاطعة بأنها الأسوأ في تاريخ ألبرتا. ارتفعت مناسيب نهري بو وإلبو إلى مستويات غير مسبوقة، حيث وصلت تدفقاتهما إلى ما بين 8 و 12 ضعف معدلاتها الطبيعية.
كانت مدينة كالجاري هي الأكثر تضررًا. أُجبر ما بين 80,000 و 110,000 شخص على إخلاء منازلهم في 26 حيًا، وهو واحد من أكبر عمليات الإجلاء في تاريخ كندا. غمرت المياه أجزاء واسعة من وسط المدينة، بما في ذلك مناطق رمزية مثل ملعب سادلدوم وموقع مهرجان ستامبيد. تطلبت الاستجابة إعلان 32 حالة طوارئ محلية في جميع أنحاء جنوب ألبرتا ونشر 2,200 جندي من القوات الكندية للمساعدة في جهود الإغاثة.
أسفرت الفيضانات عن مقتل خمسة أشخاص وقُدرت الأضرار التي لحقت بالممتلكات بما يتراوح بين 5 و 6 مليارات دولار، مما يجعلها واحدة من أغلى الكوارث الطبيعية في تاريخ كندا. كانت الفيضانات بمثابة تذكير صارخ بضعف البنية التحتية الحضرية في مواجهة الظواهر الجوية المتطرفة، وأثارت نقاشات حيوية حول التكيف مع تغير المناخ والحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية القادرة على الصمود.
4.3 جرائم وأحداث أمنية بارزة
إلى جانب الكوارث الكبرى، شهدت هذه الفترة عددًا من الجرائم والأحداث الأمنية التي استحوذت على اهتمام الرأي العام وأثارت نقاشات وطنية.
في 29 يناير 2012، صدر حكم بالإدانة في قضية مقتل عائلة الشافعي، حيث أدين الأب والأم والابن بقتل أربع من بناتهم وأفراد أسرتهم فيما وُصف على نطاق واسع بأنه "جريمة شرف". أثارت هذه القضية المروعة نقاشًا وطنيًا مؤلمًا حول العنف ضد النساء، والقيم الثقافية، والتحديات التي تواجه المهاجرين الجدد في كندا.
في 16 يوليو 2012، شهدت مدينة تورونتو أسوأ حادث إطلاق نار جماعي في تاريخها، عندما اندلع العنف في حفل شواء في شارع دانزيغ، مما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة 24 آخرين. سلط هذا الحادث الضوء على قضية عنف العصابات والأسلحة النارية في المناطق الحضرية.
وفي 18 سبتمبر 2013، وقعت مأساة أخرى في قطاع النقل، عندما اصطدمت حافلة ركاب ذات طابقين تابعة لشركة OC Transpo بقطار ركاب تابع لشركة Via Rail عند تقاطع في أوتاوا. أسفر الحادث عن مقتل ستة أشخاص، من بينهم سائق الحافلة، وأثار تساؤلات جدية حول سلامة تقاطعات السكك الحديدية وتصميم الحافلات ذات الطابقين.
عكست هذه الأحداث المتنوعة، من الكوارث الطبيعية إلى الجرائم المروعة، مجموعة من التحديات التي واجهت المجتمع الكندي، وأبرزت الحاجة المستمرة إلى تحسين أنظمة السلامة العامة والوقاية من الكوارث ومعالجة القضايا الاجتماعية المعقدة.
الفصل الخامس: كندا على الساحة العالمية والثقافية
في خضم التوترات السياسية والمآسي الوطنية، شهدت فترة 2012-2013 أيضًا لحظات من الفخر والإلهام الجماعي التي عززت الهوية الكندية على الساحتين العالمية والثقافية. من الإنجازات الرياضية في الأولمبياد إلى المغامرات الفضائية التي أسرت العالم، قدمت هذه الأحداث سردًا بديلاً وإيجابيًا عن كندا.
5.1 أولمبياد لندن 2012: لحظات من الفخر الوطني
في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2012 في لندن، قدمت كندا أداءً قوياً، حيث شارك وفد مكون من 277 رياضيًا. نجح الفريق الكندي في معادلة حصيلته من الميداليات في أولمبياد بكين 2008، حيث فاز بما مجموعه 18 ميدالية: ذهبيتان، وست فضيات، وعشر برونزيات.
كانت هناك العديد من الإنجازات الفردية والجماعية البارزة. فازت روزي ماكلينان بالميدالية الذهبية في منافسات الترامبولين للسيدات، وهو إنجاز رائع أسر قلوب الكنديين. وفي ألعاب القوى، حقق ديريك دروين الميدالية الفضية في مسابقة الوثب العالي، وهي أول ميدالية أولمبية لكندا في هذا الحدث منذ عام 1976. كما شهدت الدورة الظهور الأول لمسابقة مطاردة الفرق للسيدات في الدراجات الهوائية على المضمار، حيث فاز الثلاثي الكندي المكون من تارا ويتن، جاسمين غليسر، وجيليان كارلتون بالميدالية البرونزية.
لكن اللحظة الأكثر رمزية وتأثيراً بالنسبة للكنديين كانت فوز المنتخب الوطني لكرة القدم للسيدات بالميدالية البرونزية. في مباراة مثيرة ضد فرنسا، سجلت ديانا ماثيسون هدف الفوز في الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع، لتمنح كندا انتصارًا دراماتيكيًا بنتيجة 1-0. كانت هذه أول ميدالية أولمبية لكندا في رياضة جماعية تقليدية منذ عام 1936، وأصبحت قصة صمود الفريق وشجاعته، بقيادة الكابتن كريستين سنكلير، مصدر إلهام وطني.
جدول 5.1: الحائزون على الميداليات الكندية في أولمبياد لندن الصيفي 2012
| الرياضي (الرياضيون) | الرياضة | الحدث | الميدالية |
|---|---|---|---|
| روزي ماكلينان | الجمباز | ترامبولين السيدات | ذهبية |
| كريستين جيرارد | رفع الأثقال | وزن 63 كجم للسيدات | ذهبية |
| ريان كوكرين | السباحة | 1500 متر حرة للرجال | فضية |
| آدم فان كويفردن | التجديف بالكاياك | K-1 1000 متر للرجال | فضية |
| ديريك دروين | ألعاب القوى | الوثب العالي للرجال | فضية |
| تونيا فيربيك | المصارعة | حرة 55 كجم للسيدات | فضية |
| فريق التجديف الثماني للرجال | التجديف | ثماني الرجال | فضية |
| فريق التجديف الثماني للسيدات | التجديف | ثماني السيدات | فضية |
| أنطوان فالوا-فورتييه | الجودو | وزن 81 كجم للرجال | برونزية |
| برنت هايدن | السباحة | 100 متر حرة للرجال | برونزية |
| مارك أولدرشو | التجديف بالكاياك | C-1 1000 متر للرجال | برونزية |
| كارول هوين | المصارعة | حرة 48 كجم للسيدات | برونزية |
| مارك دي جونغ | التجديف بالكاياك | K-1 200 متر للرجال | برونزية |
| ريتشارد واينبرغر | السباحة | 10 كم في المياه المفتوحة للرجال | برونزية |
| جينيفر أبيل وإيميلي هيمانز | الغطس | 3 أمتار متزامن للسيدات | برونزية |
| ميغان بنفيتو وروزالين فيليون | الغطس | 10 أمتار منصة متزامن للسيدات | برونزية |
| جيليان كارلتون، جاسمين غليسر، تارا ويتن | الدراجات الهوائية | مطاردة الفرق للسيدات | برونزية |
| منتخب كندا الوطني لكرة القدم للسيدات | كرة القدم | بطولة السيدات | برونزية |
المصادر:
5.2 كريس هادفيلد: رائد فضاء يلهم أمة
في أواخر عام 2012، انطلق رائد الفضاء الكندي كريس هادفيلد في مهمة استمرت خمسة أشهر على متن محطة الفضاء الدولية (ISS). وفي مارس 2013، صنع التاريخ عندما أصبح أول كندي يتولى قيادة المحطة. لكن إرث هادفيلد تجاوز هذا الإنجاز العلمي والتاريخي.
تحول هادفيلد إلى ظاهرة عالمية بفضل استخدامه المبتكر والمكثف لوسائل التواصل الاجتماعي من الفضاء. من خلال حسابه على تويتر ومقاطع الفيديو التي نشرها على يوتيوب، قدم هادفيلد للعالم نافذة غير مسبوقة على الحياة في الفضاء. شارك صورًا مذهلة لكوكب الأرض، وأجرى تجارب علمية بسيطة، وأجاب على أسئلة الجمهور، وأظهر تفاصيل الحياة اليومية في بيئة منعدمة الجاذبية. لقد نجح في جعل الفضاء يبدو قريبًا ومتاحًا ومثيرًا للاهتمام لملايين الأشخاص حول العالم.
وصل تأثيره الثقافي إلى ذروته عندما سجل وأدى نسخة مؤثرة من أغنية ديفيد بوي الشهيرة "Space Oddity" وهو يطفو داخل محطة الفضاء الدولية. حقق الفيديو نجاحًا فيروسيًا هائلاً وأصبح رمزًا للإبداع البشري والجمال العلمي. لم تكن مهمة هادفيلد مجرد إنجاز علمي لكندا، بل كانت حدثًا ثقافيًا وطنيًا بامتياز، ولدت موجة هائلة من الفخر والاهتمام بالعلوم والفضاء. عند عودته إلى الأرض وتقاعده في يونيو 2013 بعد مسيرة مهنية استمرت 35 عامًا، كان قد رسخ مكانته كواحد من أكثر الشخصيات العامة المحبوبة والمُلهمة في كندا.
5.3 المشهد الثقافي والفني: جوائز وإنجازات
عكس المشهد الفني والثقافي في كندا خلال هذه الفترة حيوية وتنوعًا كبيرين، وهو ما تجلى في الجوائز المرموقة التي احتفت بالإبداع الكندي.
في عالم الموسيقى، شهدت جوائز جونو (Juno Awards) تتويج فنانين من أجيال وأنماط مختلفة. في عام 2012، كانت المغنية فيست (Feist) وفرقة الروك ذا شيبدوغز (The Sheepdogs) من بين أكبر الفائزين، حيث فازت فيست بجائزة فنان العام، وفازت الفرقة بجائزتي أغنية العام وأفضل فرقة جديدة. أما في عام 2013، فقد هيمنت ظاهرة البوب العالمية كارلي راي جيبسن على الجوائز، حيث فازت بجائزة ألبوم العام وأغنية العام عن أغنيتها الشهيرة "Call Me Maybe". كما تم تكريم الأسطورة ليونارد كوهين بجائزة فنان العام وكاتب الأغاني للعام، مما يعكس اتساع نطاق المواهب الموسيقية الكندية.
في مجال السينما والتلفزيون، شهد عام 2013 انطلاق جوائز الشاشة الكندية (Canadian Screen Awards)، وهي مبادرة جديدة دمجت بين جوائز جيني (للأفلام) وجوائز جيميني (للتلفزيون) في حفل واحد. في دورتها الأولى، كان الفائز الأكبر هو فيلم "ساحرة الحرب" (War Witch / Rebelle) للمخرج كيم نغوين، الذي حصد 10 جوائز بما في ذلك جائزة أفضل فيلم. وفي فئات التلفزيون، فاز مسلسلا "Flashpoint" و "Less Than Kind" بجوائز أفضل مسلسل درامي وأفضل مسلسل كوميدي على التوالي.
وفي مجال الأدب والفنون المسرحية، استمرت جوائز الحاكم العام (Governor General's Awards) في تكريم أفضل الإنجازات. في عام 2013، فازت إليانور كاتون بجائزة الرواية عن روايتها "The Luminaries"، بينما مُنحت جوائز الإنجاز الفني مدى الحياة لشخصيات بارزة مثل المنتج الموسيقي دانيال لانوا والمخرجة والممثلة سارة بولي. وفي استطلاع للرأي أُجري عام 2013 حول الرموز الوطنية، أظهر الكنديون اعتزازهم الكبير بميثاق الحقوق والحريات والعلم الوطني، حيث اعتبرهما أكثر من 90% من المشاركين رموزًا هامة للهوية الكندية.
خاتمة: عامان من التحولات والتحديات
كانت الأعوام 2012 و 2013 فترة حاسمة في التاريخ الكندي الحديث، تميزت بتفاعل معقد بين القوة الحكومية المركزة والحركات الاجتماعية الناشئة، وبين الصمود الاقتصادي والمآسي الوطنية، وبين الفخر الثقافي والانقسام السياسي. يمكن تلخيص هذه الفترة بأنها كانت محكومة بتوتر أساسي بين أجندة حكومة هاربر المحافظة، التي استخدمت أغلبيتها البرلمانية لتنفيذ تحولات جذرية في سياسات البلاد، وبين ردود الفعل الشعبية القوية التي تحدت هذه الأجندة من الشارع.
ترتبط خيوط هذا التقرير ببعضها البعض بشكل وثيق. فالسياسات الاقتصادية التي ركزت على "الوظائف والنمو"، كما ورد في الفصل الثاني، كانت هي المبرر وراء الأجندة التشريعية الطموحة التي تم تفصيلها في الفصل الأول. وبدورها، كانت هذه التشريعات، وخاصة مشروع القانون الشامل C-45، هي الشرارة المباشرة التي أشعلت حركة "Idle No More"، إحدى أبرز الحركات الاحتجاجية التي تناولها الفصل الثالث. وبالمثل، فإن الازدهار في قطاع الموارد الطبيعية، الذي ساهم في صمود الاقتصاد، حمل في طياته مخاطر تنظيمية وبنيوية تجلت بشكل مأساوي في كارثة قطار لاك ميغانتيك، كما أوضح الفصل الرابع. وفي خضم هذه التحديات، قدمت الإنجازات الثقافية والرياضية، التي تم استعراضها في الفصل الخامس، متنفساً ولحظات من الوحدة الوطنية التي كانت بمثابة ثقل موازن للتوترات السائدة.
لم تنتهِ تداعيات أحداث 2012 و 2013 مع نهاية تلك الفترة. استمرت فضيحة نفقات مجلس الشيوخ في إحراج الحكومة لسنوات، وأثرت على ثقة الجمهور في المؤسسات السياسية. أرست الحركات الاجتماعية، مثل إضراب طلاب كيبيك و "Idle No More"، نماذج جديدة للنشاط المدني في العصر الرقمي، وتركت إرثًا دائمًا في النقاشات الوطنية حول التعليم وحقوق السكان الأصليين. كما أن الأسئلة القانونية والتنظيمية التي أثارتها كارثة لاك ميغانتيك وفيضانات ألبرتا أدت إلى مراجعات سياسية عميقة استمرت لسنوات.
في جوهرها، كانت فترة 2012-2013 بمثابة نقطة تحول. لقد كشفت عن خطوط الصدع في المجتمع الكندي، وأعادت تشكيل التحالفات السياسية، وأبرزت قوة الحركات الشعبية في مواجهة السلطة. مهد الاستقطاب السياسي الذي ساد هذه الفترة الطريق لانتخابات فيدرالية حاسمة في عام 2015، والتي شهدت نهاية عقد من حكم المحافظين. وبذلك، لم تكن هذه الأعوام مجرد فترة من الأحداث المنفصلة، بل كانت مرحلة تأسيسية شكلت بشكل عميق مسار كندا السياسي والاجتماعي لما تبقى من العقد.
مقدمة: كندا على مفترق طرق
مع بزوغ فجر عام 2012، كانت كندا تقف على أرض سياسية واقتصادية جديدة. للمرة الأولى، كانت حكومة المحافظين بقيادة رئيس الوزراء ستيفن هاربر تحكم بأغلبية برلمانية، بعد فوزها في الانتخابات الفيدرالية في مايو 2011. منحت هذه الأغلبية الحكومة تفويضًا قويًا وقدرة غير مسبوقة على تنفيذ أجندتها دون الحاجة إلى دعم من أحزاب المعارضة. في الوقت نفسه، كان الاقتصاد الكندي، على الرغم من أدائه القوي نسبيًا مقارنة بدول مجموعة السبع الأخرى، لا يزال يتعافى من الركود العالمي لعام 2008 ويواجه رياحًا معاكسة كبيرة قادمة من الأزمات الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة.
يستعرض هذا التقرير التحليلي الشامل أحداث عامي 2012 و 2013 في كندا، وهي فترة تميزت بتوتر ديناميكي فريد. من جهة، كانت هناك حكومة فيدرالية واثقة من نفسها، تتبنى نهجًا من القمة إلى القاعدة لتمرير تشريعات واسعة النطاق وإعادة تشكيل السياسات الخارجية والاقتصادية للبلاد. ومن جهة أخرى، شهدت هذه الفترة صعودًا غير مسبوق لحركات اجتماعية شعبية قوية، انطلقت من الشوارع لتتحدى هذه الأجندة الحكومية. يكمن جوهر هذا التقرير في استكشاف هذا التفاعل بين القوة الحكومية المركزة والمقاومة الشعبية المنظمة.
سيتناول التقرير بالتفصيل الأحداث الرئيسية التي شكلت هذه الفترة، بدءًا من التشريعات الشاملة المثيرة للجدل التي أثارت حركات احتجاجية على مستوى البلاد، مثل إضراب طلاب كيبيك وحركة "Idle No More"، وصولًا إلى الفضائح السياسية التي هزت أروقة السلطة في أوتاوا. كما سيسلط الضوء على المآسي الوطنية التي وحدت الكنديين في حزنهم، مثل كارثة قطار لاك ميغانتيك وفيضانات ألبرتا، وفي المقابل، اللحظات المشرقة من الفخر الوطني الجماعي التي تجسدت في الإنجازات الأولمبية والمهمة الملهمة لرائد الفضاء كريس هادفيلد. من خلال تحليل هذه الأحداث المترابطة، يسعى التقرير إلى تقديم صورة متكاملة لكندا خلال عامين حاسمين كانا بمثابة مفترق طرق حقيقي، حيث تم إعادة تعريف ملامح النقاش الوطني ورسم مسار البلاد لما تبقى من العقد.
الفصل الأول: المشهد السياسي تحت حكومة المحافظين
شهدت فترة 2012-2013 استعراضًا لقوة حكومة المحافظين التي استخدمت أغلبيتها البرلمانية لتنفيذ أجندة سياسية وتشريعية طموحة. هذا النهج الحاسم، وإن كان فعالًا في تحقيق أهداف الحكومة، أثار جدلاً واسعًا وتحديات كبيرة، بدءًا من التشريعات الشاملة وصولًا إلى أزمة ثقة هزت مجلس الشيوخ.
1.1 الأجندة التشريعية الطموحة والمثيرة للجدل
كان استخدام مشاريع القوانين الشاملة (Omnibus Bills) إحدى أبرز الأدوات التي استخدمتها حكومة هاربر. سمحت هذه القوانين الضخمة للحكومة بتمرير مجموعة واسعة من التغييرات التشريعية في حزمة واحدة، مما حد من قدرة المعارضة على التدقيق والمناقشة التفصيلية. كان أبرز مثال على ذلك هو مشروع القانون C-45، المعروف رسميًا باسم "قانون الوظائف والنمو لعام 2012"، الذي قُدم في أكتوبر 2012. أحدث هذا القانون وحده تغييرات في أكثر من 60 قانونًا قائمًا، وشمل تعديلات جوهرية أثارت قلقًا عميقًا لدى مجموعات مختلفة. من بين أبرز التعديلات كانت تلك التي طالت "القانون الهندي" (Indian Act)، والتي سهّلت تأجير أراضي المحميات، بالإضافة إلى تغييرات جذرية في "قانون حماية الملاحة المائية" (Navigable Waters Protection Act)، الذي أدى فعليًا إلى إزالة الحماية الفيدرالية عن 99% من بحيرات وأنهار كندا، مما أثار غضب المدافعين عن البيئة ومجتمعات السكان الأصليين. كما قلص القانون من نطاق "قانون التقييم البيئي"، مما سهل على المشاريع الصناعية الكبرى المضي قدمًا دون تقييمات بيئية صارمة.
إلى جانب القوانين الشاملة، شهدت الساحة البرلمانية نقاشات تشريعية هامة أخرى عكست التوجهات الأيديولوجية للحكومة وقاعدة ناخبيها. في 26 سبتمبر 2012، هُزم اقتراح M-312 في مجلس العموم، وهو اقتراح كان يهدف إلى إعادة فتح النقاش حول الإجهاض في كندا. على الرغم من هزيمته بأغلبية 203 أصوات مقابل 91، إلا أن النقاش كشف عن وجود تيار محافظ اجتماعي قوي داخل الحزب الحاكم، وفي الوقت نفسه أظهر إجماعًا برلمانيًا أوسع على عدم المساس بالحقوق القائمة. وفي تطور قضائي ذي أهمية تشريعية مستقبلية، أصدرت المحكمة العليا الكندية في 20 ديسمبر 2013 قرارًا تاريخيًا بالإجماع يقضي بإلغاء القوانين المتعلقة بالبغاء في البلاد، معتبرة إياها غير دستورية لأنها تعرض العاملين في هذا المجال للخطر. هذا القرار لم يشرعن البغاء، بل وضع الكرة في ملعب الحكومة الفيدرالية لصياغة تشريعات جديدة، مما مهد الطريق لمعركة سياسية وقانونية جديدة في السنوات التالية.
1.2 السياسة الخارجية وإصلاحات الهجرة
اتبعت حكومة هاربر سياسة خارجية حازمة، غالبًا ما وُصفت بأنها "مبدئية"، والتي تميزت بمواقف قوية وحاسمة. تجلى هذا النهج بوضوح في 7 سبتمبر 2012، عندما أعلنت كندا بشكل مفاجئ إغلاق سفارتها في طهران وطرد جميع الدبلوماسيين الإيرانيين من أوتاوا، معلنة أن إيران تشكل "تهديدًا للسلم العالمي". مثّل هذا القرار قطيعة حادة مع النهج الدبلوماسي التقليدي لكندا، وأشار إلى استعداد الحكومة لاتخاذ مواقف أحادية قوية في الشؤون الدولية.
داخليًا، كانت سياسات الهجرة واللجوء تخضع لعملية إصلاح شاملة وعميقة. بدأت التغييرات في عام 2012، حيث تم إدخال نظام جديد أدى إلى إنشاء نظام من مستويين لطالبي اللجوء. بموجب هذا النظام، يواجه اللاجئون القادمون من "بلدان المنشأ المعينة" (DCOs) - وهي دول تعتبرها كندا "آمنة" - جداول زمنية قصيرة للغاية لمعالجة طلباتهم، مع حرمانهم من حق الاستئناف. استمر هذا الاتجاه في عام 2013، حيث أصبحت الإقامة الدائمة، كما وصفها المجلس الكندي للاجئين، "أقل ديمومة". أُدخلت قواعد جديدة سهّلت فقدان وضع الإقامة الدائمة، بما في ذلك سياسة "الإقامة الدائمة المشروطة" للأزواج المكفولين، والتي تشترط بقاء الزوجين معًا لمدة عامين وإلا يواجه الشريك المكفول خطر الترحيل، مما أثار مخاوف بشأن زيادة تعرض النساء للعنف الأسري. بشكل عام، شهدت هذه الفترة تحولًا واضحًا في فلسفة الهجرة الكندية، حيث تم إعطاء الأولوية القصوى للعوامل الاقتصادية على حساب لم شمل الأسر وحماية اللاجئين، وتحول برنامج إعادة التوطين من برنامج عالمي إلى برنامج يستهدف عددًا محدودًا من البلدان بناءً على أولويات تحددها الحكومة. كان هذا التحول جزءًا من رؤية أوسع تهدف إلى إعادة تعريف الهوية الوطنية الكندية لتكون أكثر براغماتية من الناحية الاقتصادية وأكثر حذرًا من الناحية الأمنية.
1.3 فضيحة نفقات مجلس الشيوخ: أزمة في قلب السلطة
في عام 2013، اهتزت حكومة المحافظين بفضيحة سياسية كبرى نشأت في مجلس الشيوخ، وهو المجلس الذي يُفترض أن يكون رمزًا للرصانة والتدقيق. بدأت الأزمة مع ظهور مزاعم بأن عددًا من أعضاء مجلس الشيوخ كانوا يطالبون بشكل غير قانوني بتعويضات عن نفقات السكن والسفر. تركزت الادعاءات بشكل أساسي على أعضاء مجلس الشيوخ مايك دافي، باميلا والين، وباتريك برازو - وجميعهم تم تعيينهم من قبل رئيس الوزراء هاربر - بالإضافة إلى السيناتور ماك حرب، الذي عينه رئيس وزراء ليبرالي سابق. كانت القواعد تسمح لأعضاء مجلس الشيوخ الذين يزيد محل إقامتهم الأساسي عن 100 كيلومتر من أوتاوا بالمطالبة بنفقات معيشة لمسكن ثانوي في العاصمة. لكن التحقيقات أثارت تساؤلات حول ما إذا كان هؤلاء الأعضاء قد صرحوا بشكل صحيح عن محل إقامتهم الأساسي.
تصاعدت الفضيحة بشكل كبير عندما تم الكشف عن أن رئيس ديوان رئيس الوزراء، نايجل رايت، قد أعطى شخصيًا شيكًا بقيمة 90 ألف دولار للسيناتور دافي لتسديد النفقات التي طُلب منه إعادتها. كان الهدف من هذه الخطوة هو احتواء الأزمة وإخماد الجدل، لكنها أدت إلى نتيجة عكسية تمامًا، حيث أشعلت عاصفة سياسية وأثارت اتهامات بمحاولة التستر. أدت هذه الحادثة إلى استقالة نايجل رايت من منصبه، ووضعت رئيس الوزراء هاربر في موقف دفاعي حرج، حيث اضطر مرارًا وتكرارًا للإجابة على أسئلة حول ما كان يعرفه ومتى عرفه. كانت هذه الأزمة محرجة بشكل خاص للحكومة التي وصلت إلى السلطة في عام 2006 واعدة بـ "تنظيف" أوتاوا وتعزيز "ثقافة المساءلة" بعد فضيحة الرعاية التي تورط فيها الحزب الليبرالي. الآن، وجدت حكومة المحافظين نفسها متورطة في فضيحة أخلاقية خاصة بها، تتعلق بأشخاص عينتهم هي بنفسها.
بلغت الأزمة ذروتها في نوفمبر 2013، عندما اتخذ مجلس الشيوخ خطوة غير مسبوقة بالتصويت على تعليق عضوية السيناتورات دافي ووالين وبرازو دون أجر. كان هذا الإجراء الدراماتيكي بمثابة اعتراف بخطورة الأزمة وتأثيرها المدمر على ثقة الجمهور في المؤسسة السياسية. تركت الفضيحة بصمة دائمة على فترة حكم هاربر، وقوضت بشكل كبير صورته كزعيم يفرض الانضباط والنزاهة.
1.4 ديناميكيات برلمانية وانتخابات فرعية
عكست الديناميكيات داخل مجلس العموم خلال عامي 2012 و 2013 التوترات السياسية والأيديولوجية التي كانت تسود البلاد. شهدت هذه الفترة حراكًا ملحوظًا في الانتماءات الحزبية. ففي يناير 2012، عبرت النائبة ليز سانت-ديني عن الحزب الديمقراطي الجديد (NDP) قاعة البرلمان لتنضم إلى الحزب الليبرالي. وفي فبراير 2013، قام النائب كلود باتري، الذي كان ينتمي أيضًا إلى الحزب الديمقراطي الجديد، بالانضمام إلى كتلة كيبيك (Bloc Québécois). كما شهدت هذه الفترة مغادرة عدد من النواب لكتلهم الحزبية للجلوس كمستقلين، احتجاجًا على سياسات أحزابهم. أبرزهم كان بروس هاير، الذي غادر الحزب الديمقراطي الجديد بسبب خلاف حول سجل الأسلحة النارية، وبرنت راثغيبر، الذي غادر كتلة المحافظين مشيرًا إلى "عدم التزام الحكومة بالشفافية والحكومة المفتوحة".
على صعيد الحكومة، شهدت هذه الفترة سلسلة من الاستقالات الوزارية الهامة التي سلطت الضوء على الضغوط المختلفة التي كانت تواجهها حكومة هاربر. استقالت وزيرة التعاون الدولي بيف أودا في يوليو 2012 وسط جدل حول نفقاتها. كما استقال وزير الشؤون الحكومية الدولية بيتر بيناشو في مارس 2013 بسبب مخالفات في تمويل حملته الانتخابية، واستقال وزير السلامة العامة فيك تويفر في يوليو 2013 لأسباب شخصية.
على المستوى الإقليمي، قدمت الانتخابات صورة متباينة للمزاج السياسي في البلاد. كانت انتخابات كيبيك في سبتمبر 2012 ذات أهمية خاصة، حيث أدت إلى هزيمة حكومة جان شاريه الليبرالية وصعود حكومة أقلية لحزب كيبيك (Parti Québécois) بقيادة بولين ماروا، وهي أول امرأة تتولى رئاسة وزراء المقاطعة. كان لهذا التغيير تأثير مباشر على إنهاء إضراب الطلاب. وفي ألبرتا، فاز حزب المحافظين التقدمي بأغلبية في انتخابات أبريل 2012، على الرغم من التحدي القوي من حزب وايلدروز المحافظ اجتماعيًا. وفي عام 2013، شهدت نوفا سكوشا تغييرًا في الحكومة، حيث هُزمت حكومة الحزب الديمقراطي الجديد أمام الحزب الليبرالي بقيادة ستيفن ماكنيل. عكست هذه النتائج الإقليمية المتنوعة عدم وجود اتجاه سياسي وطني موحد، وأظهرت أن السياسة الإقليمية كانت تتأثر بقضايا وهموم محلية فريدة.
الفصل الثاني: الاقتصاد الكندي - صمود في وجه التقلبات العالمية
تميز أداء الاقتصاد الكندي خلال عامي 2012 و 2013 بالصمود في مواجهة بيئة عالمية غير مستقرة. فبينما كانت العديد من الاقتصادات المتقدمة تكافح للتعافي من الأزمة المالية، أظهرت كندا قوة نسبية، مدعومة بالطلب المحلي وسياسات حكومية استباقية. ومع ذلك، لم يكن الاقتصاد محصنًا ضد التباطؤ العالمي، وشهدت هذه الفترة تحديات هيكلية ومخاطر كامنة.
2.1 الأداء الاقتصادي العام: قصة صمود
في أعقاب الركود العالمي، برزت كندا كواحدة من أقوى الاقتصادات أداءً ضمن مجموعة السبع (G7). تشير البيانات إلى أن كندا حققت أقوى نمو اقتصادي وأقوى نمو في الوظائف بين دول المجموعة في فترة التعافي من 2009 إلى 2012. بحلول مارس 2012، كان عدد العاملين في كندا يزيد بمقدار 610,000 شخص عما كان عليه في بداية فترة التعافي. توقع الاقتصاديون في القطاع الخاص نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.1% في عام 2012 و 2.4% في عام 2013. كانت هذه الأرقام الإيجابية مدعومة بأساسيات اقتصادية قوية وخطة عمل اقتصادية حكومية قدمت حوافز في الوقت المناسب.
ومع ذلك، بدأت وتيرة النمو تتباطأ خلال عامي 2012 و 2013. تباطأ توسع الطلب المحلي، وهدأ قطاع الإسكان الذي كان محموماً، وأثرت البيئة الخارجية غير المؤكدة على استثمارات الشركات. استمر صافي الصادرات في التأثير سلبًا على النمو، حيث أثر ضعف الطلب الخارجي وقوة العملة الكندية على الصادرات، مما أدى إلى اتساع حاد في عجز الحساب الجاري. نتيجة لذلك، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة أكثر تواضعًا بلغت 2.0% في عام 2013، وشهد نمو التوظيف أبطأ وتيرة له منذ عام 2009.
ظلت المخاطر السلبية الناجمة عن البيئة العالمية الهشة تشكل التحدي الأكبر. كانت أزمة الديون السيادية والقطاع المصرفي في أوروبا مصدر قلق رئيسي، حيث أثرت على الأسواق المالية والثقة العالمية. دفعت هذه المخاطر الحكومة إلى توخي الحذر في توقعاتها المالية، حيث قامت بتعديل توقعات القطاع الخاص للناتج المحلي الإجمالي الاسمي بالخفض لتعكس حالة عدم اليقين. كان هذا التوازن بين الأداء المحلي القوي والمخاطر الخارجية السمة المميزة للاقتصاد الكندي في هذه الفترة.
2.2 السياسات الاقتصادية والمبادرات الحكومية
استجابت حكومة هاربر للتحديات الاقتصادية من خلال مجموعة من السياسات التي ركزت على ضبط الأوضاع المالية، وتوسيع التجارة، ودعم الابتكار. كانت "خطة العمل الاقتصادي" هي الإطار العام لهذه المبادرات، حيث ركزت ميزانية 2012 بشكل كبير على العودة إلى تحقيق توازن في الميزانية الفيدرالية بعد سنوات من الإنفاق التحفيزي.
كانت أجندة التجارة الدولية حجر الزاوية في الاستراتيجية الاقتصادية للحكومة. تمثل الإنجاز الأبرز في هذا المجال في التوصل إلى اتفاق مبدئي تاريخي بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين كندا والاتحاد الأوروبي (CETA) في أكتوبر 2013. وُصف هذا الاتفاق بأنه إنجاز تاريخي من شأنه أن يمنح كندا وصولاً تفضيليًا إلى سوق يضم أكثر من 500 مليون مستهلك، ويمثل خطوة استراتيجية هامة لتنويع الشركاء التجاريين لكندا بعيدًا عن الاعتماد المفرط على السوق الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة بتفعيل اتفاقيات تجارة حرة مع بنما وهندوراس، وأبرمت عددًا قياسيًا من اتفاقيات ترويج وحماية الاستثمار الأجنبي (FIPAs) مع دول مثل نيجيريا وتنزانيا.
على الصعيد المحلي، أطلقت الحكومة مبادرات لدعم الابتكار والبنية التحتية. تم تحويل المجلس الوطني للبحوث (NRC) إلى منظمة بحثية وتكنولوجية تركز على احتياجات الصناعة، وتم تجديد صندوق الابتكار في قطاع السيارات لتعزيز البحث والتطوير. كما تم إطلاق "برنامج الابتكار الكندي للبناء" (Build in Canada Innovation Program) لمساعدة الشركات على نقل منتجاتها المبتكرة من المختبر إلى السوق. وفي مجال البنية التحتية، تم الإعلان عن "خطة بناء كندا الجديدة" (New Building Canada Plan) لتمويل مشاريع الطرق والجسور والنقل العام بالتعاون مع المقاطعات والبلديات. عكست هذه السياسات رؤية حكومية تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الكندي على المدى الطويل من خلال الانفتاح على الأسواق العالمية والاستثمار في الابتكار والبنية التحتية.
2.3 تحليل قطاعي: محركات النمو والتحديات
كشف تحليل بنية الاقتصاد الكندي خلال هذه الفترة عن وجود اقتصاد بسرعتين، حيث كانت بعض القطاعات محركات قوية للنمو بينما واجهت قطاعات أخرى تحديات كبيرة.
كان قطاع الخدمات هو المهيمن بشكل واضح على الاقتصاد. في عام 2012، شكل قطاع الخدمات حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي ووظف حوالي 76% من القوة العاملة، مما يجعله العمود الفقري للاقتصاد الكندي. تركزت غالبية الوظائف الجديدة التي تم إنشاؤها في عام 2013 في هذا القطاع، وخاصة في مجال الخدمات المهنية والعلمية والتقنية، الذي شهد نموًا قويًا.
في المقابل، واجه قطاع إنتاج السلع، وخاصة قطاع الصناعات التحويلية، صعوبات كبيرة. فقد هذا القطاع 35,100 وظيفة في عام 2013، وكان القطاع الصناعي الرئيسي الوحيد الذي لم يسجل نموًا في الإنتاج في ذلك العام. يعكس هذا التراجع تحولًا هيكليًا طويل الأمد في الاقتصادات المتقدمة بعيدًا عن التصنيع ونحو الخدمات، وهو ما كان له تداعيات كبيرة على المناطق التي تعتمد تاريخيًا على الصناعة، مثل أونتاريو.
لعبت الشركات الصغيرة (التي توظف أقل من 100 موظف) دورًا حيويًا في الاقتصاد. في عام 2012، شكلت هذه الشركات 98% من إجمالي الشركات في كندا. وعلى الرغم من صغر حجمها، كانت مسؤولة عن 25% من إجمالي قيمة الصادرات الكندية، مما يدل على أهميتها في التجارة الدولية. ومع ذلك، فإن هذا الأداء الإيجابي الكلي للاقتصاد لم ينعكس بالتساوي على جميع فئات المجتمع. فبينما كانت المؤشرات الاقتصادية الكلية قوية، كان الشباب يواجهون معدلات بطالة مرتفعة وصلت إلى 14.8% في يونيو 2012، وهو أعلى مستوى لها منذ 21 شهرًا. هذا التباين بين النجاح الاقتصادي الكلي والتحديات التي يواجهها قطاعات معينة وفئات ديموغرافية محددة يكشف عن تعقيدات المشهد الاقتصادي الكندي في تلك الفترة.
جدول 2.1: هيكل الاقتصاد الكندي، 2012
| القطاع | المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي (%) | القوة العاملة حسب القطاع (%) |
|---|---|---|
| الزراعة | 1.7 | 2 |
| الصناعة / التصنيع | 28.5 | 13 |
| الخدمات | 69.8 | 76 |
المصادر:
يوضح هذا الجدول بشكل جلي هيمنة قطاع الخدمات على الاقتصاد الكندي، سواء من حيث مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي أو من حيث استيعابه للعمالة، مما يؤكد على أهميته كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي والتوظيف في البلاد.
الفصل الثالث: حركات احتجاجية تهز المشهد الاجتماعي
لم تكن فترة 2012-2013 مجرد فترة من المناورات السياسية والتقلبات الاقتصادية، بل كانت أيضًا عصرًا للاحتجاجات الاجتماعية واسعة النطاق. حركتان على وجه الخصوص، إضراب طلاب كيبيك وحركة "Idle No More"، لم تهزا فقط المشهد الاجتماعي، بل أعادتا تعريف أساليب النشاط المدني في كندا وأجبرتا الحكومات على الاستجابة. كانت كلتا الحركتين ردود فعل مباشرة على سياسات حكومية محددة، مما يوضح العلاقة السببية القوية بين قرارات السلطة والتعبئة الشعبية.
3.1 "الربيع القيقبي": إضراب طلاب كيبيك
في ما أصبح يعرف بـ "الربيع القيقبي" (Maple Spring)، شهدت مقاطعة كيبيك في عام 2012 أطول إضراب طلابي في تاريخ كندا. انطلقت شرارة الاحتجاجات في 13 فبراير 2012، كرد فعل على خطة حكومة كيبيك الليبرالية بقيادة جان شاريه لزيادة الرسوم الدراسية الجامعية بنسبة 75% على مدى خمس سنوات. سرعان ما تصاعدت الحركة، حيث شارك أكثر من 36,000 طالب في المظاهرة الأولى، وتضخمت الأعداد لتصل إلى ما يقدر بـ 200,000 شخص في مسيرة ضخمة في مونتريال في 22 مارس.
تميزت الحركة بتكتيكاتها المبتكرة والرمزية. اعتمد الطلاب على المسيرات الحاشدة في الشوارع، وحصار المباني الحكومية ومكاتب الشركات التي دعمت زيادة الرسوم، وحتى أشكال من المسرح الاحتجاجي. أصبح "المربع الأحمر" (carré rouge)، الذي كان يرتديه المحتجون، رمزًا قويًا للحركة، حيث كان يشير إلى ديون الطلاب ("in the red") وفي الوقت نفسه يمثل مقاومة أوسع لسياسات التقشف. لكن التكتيك الأكثر تأثيرًا كان احتجاجات "الكاسرولات" (Casseroles)، حيث بدأ السكان في جميع أنحاء المقاطعة بقرع الأواني والمقالي كل مساء. نقل هذا التكتيك البسيط والفعال الاحتجاج من حرم الجامعات إلى الأحياء السكنية، وحشد دعمًا شعبيًا واسعًا، بل وألهم مظاهرات تضامنية في مدن أخرى عبر كندا من فانكوفر إلى هاليفاكس.
كان رد الحكومة قاسيًا. ففي مايو 2012، مررت الحكومة قانونًا طارئًا مثيرًا للجدل، هو القانون 78 (المعروف أيضًا بالقانون 12)، الذي فرض قيودًا صارمة على الحق في التظاهر، مثل اشتراط إبلاغ الشرطة مسبقًا بثماني ساعات عن أي تجمع يضم أكثر من 50 شخصًا. بدلاً من إخماد الحركة، أدى هذا القانون إلى تأجيج الغضب وتوسيع قاعدة المعارضة للحكومة.
في النهاية، كان للحركة تأثير سياسي حاسم. أدت الاحتجاجات المستمرة والمعارضة الشعبية الواسعة للقانون 78 إلى تآكل شعبية الحكومة الليبرالية. وفي الانتخابات الإقليمية التي جرت في 4 سبتمبر 2012، هُزم حزب جان شاريه، وفاز حزب كيبيك (Parti Québécois) بحكومة أقلية بقيادة بولين ماروا. وفور توليها السلطة، قامت ماروا بإلغاء زيادة الرسوم الدراسية وإلغاء القانون 78، في انتصار واضح للحركة الطلابية. لم يقتصر تأثير الحركة على إلغاء الرسوم، بل أثارت نقاشًا وطنيًا أوسع حول إمكانية الوصول إلى التعليم وجودته ودور الجامعات في المجتمع.
3.2 حركة "Idle No More": صحوة حقوق السكان الأصليين
في أواخر عام 2012، ظهرت حركة احتجاجية شعبية أخرى، لكن هذه المرة كانت جذورها في مجتمعات السكان الأصليين. تأسست حركة "Idle No More" (والتي تعني "لا خمول بعد الآن") في نوفمبر 2012 على يد أربع نساء من مقاطعة ساسكاتشوان، كرد فعل مباشر على مشروع القانون الفيدرالي الشامل C-45 الذي قدمته حكومة هاربر. كانت حجة النشطاء الأساسية هي أن مشروع القانون، الذي أضعف بشكل كبير حماية البيئة وعدّل "القانون الهندي"، قد تم تمريره دون استشارة مناسبة مع الأمم الأولى، مما يشكل انتهاكًا لـ "واجب التاج في التشاور" (duty to consult)، وهو مبدأ قانوني راسخ في كندا.
انتشرت الحركة بسرعة مذهلة، مدفوعة بقوة وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر. اتخذت الاحتجاجات أشكالاً متنوعة ومبتكرة. بالإضافة إلى الجلسات التثقيفية والمسيرات وحصار الطرق والسكك الحديدية، اشتهرت الحركة بـ "الرقصات الدائرية" (round dances) التي نُظمت كـ "تجمعات مفاجئة" (flash mobs) في مراكز التسوق المزدحمة خلال موسم أعياد الميلاد، مما لفت انتباه وسائل الإعلام والجمهور بشكل كبير.
برزت شخصيتان وحدثان رمزيان بشكل خاص. الأول كان الإضراب عن الطعام (اقتصارًا على السوائل) الذي قامت به زعيمة أمة أتوابيسكات الأولى، تيريزا سبينس، لمدة ستة أسابيع من ديسمبر 2012 إلى يناير 2013، للمطالبة بلقاء مع رئيس الوزراء لمناقشة حقوق المعاهدات. والثاني كان "رحلة نيشيو" (The Journey of Nishiyuu)، وهي مسيرة ملحمية قطع فيها شباب من أمة الكري في شمال كيبيك مسافة 1600 كيلومتر سيرًا على الأقدام في شتاء قارس، وصولًا إلى تل البرلمان في أوتاوا في مارس 2013، حيث استقبلهم الآلاف من المؤيدين.
حققت حركة "Idle No More" نجاحًا كبيرًا في إعادة قضايا حقوق السكان الأصليين والسيادة البيئية إلى صدارة الأجندة الوطنية. امتد تأثيرها إلى خارج كندا، حيث نُظم "يوم العمل العالمي لحركة Idle No More" في 28 يناير 2013، وشهد فعاليات في الولايات المتحدة وأوروبا. ضغطت الحركة على الحكومة وأجبرتها على عقد اجتماع بين رئيس الوزراء وقادة الأمم الأولى. والأهم من ذلك، أنها تركت إرثًا دائمًا من خلال تنشيط جيل جديد من نشطاء السكان الأصليين وحلفائهم، وضمان بقاء قضايا السيادة وحقوق المعاهدات في صلب النقاش العام في كندا.
الفصل الرابع: مآسٍ وطنية وتحديات السلامة العامة
إلى جانب الاضطرابات السياسية والاجتماعية، شهدت كندا خلال هذه الفترة سلسلة من الكوارث المأساوية التي هزت ضمير الأمة واختبرت قدرة المجتمعات على الصمود. كشفت هذه الأحداث عن نقاط ضعف في البنية التحتية والأنظمة التنظيمية، وأجبرت الكنديين على مواجهة أسئلة صعبة حول السلامة والمسؤولية.
4.1 كارثة قطار لاك ميغانتيك (2013): جرح في قلب كيبيك
في الساعات الأولى من صباح يوم 6 يوليو 2013، وقعت واحدة من أسوأ كوارث السكك الحديدية في تاريخ كندا الحديث. خرج قطار شحن غير مراقب، يتكون من 72 عربة صهريج محملة بالنفط الخام، عن مساره في قلب بلدة لاك ميغانتيك الهادئة في كيبيك. أدى خروج القطار عن مساره إلى انفجارات كارثية أشعلت حريقًا هائلاً تحول إلى جحيم ناري اجتاح وسط البلدة.
كانت الخسائر البشرية والمادية مروعة. أودت الكارثة بحياة 47 شخصًا، ودمرت أكثر من 30 مبنى في مركز البلدة، بما في ذلك المكتبة العامة والعديد من الشركات والمنازل. وصفت إحدى الناجيات المشهد قائلة: "شاهدنا سحابات من النار على شكل فطر ترتفع في السماء". أظهرت التحقيقات اللاحقة أن الكارثة كانت نتيجة لسلسلة من الإخفاقات، بما في ذلك الإهمال، وعدم تأمين القطار بشكل كافٍ، وضعف الصيانة، وثقافة السلامة المتراخية لدى شركة السكك الحديدية، بالإضافة إلى ضعف الرقابة التنظيمية الحكومية.
لم تكن كارثة لاك ميغانتيك مجرد حادث مأساوي، بل كانت بمثابة جرس إنذار وطني. لقد كشفت بشكل وحشي عن المخاطر الخفية المصاحبة للطفرة النفطية في أمريكا الشمالية، والتي أدت إلى زيادة هائلة في نقل النفط الخام عبر السكك الحديدية دون وجود أنظمة سلامة مواكبة. أثارت الكارثة نقاشًا وطنيًا عميقًا حول سلامة السكك الحديدية، ونقل المواد الخطرة، ومسؤولية الشركات، وأدت إلى تغييرات تنظيمية كبيرة في السنوات التي تلتها.
4.2 فيضانات ألبرتا (2013): أسوأ فيضان في تاريخ المقاطعة
قبل أسابيع قليلة من كارثة لاك ميغانتيك، واجهت منطقة جنوب ألبرتا كارثة طبيعية ذات أبعاد تاريخية. في يونيو 2013، أدت الأمطار الغزيرة التي هطلت على طبقة ثلجية كثيفة في جبال روكي إلى فيضانات كارثية وصفتها حكومة المقاطعة بأنها الأسوأ في تاريخ ألبرتا. ارتفعت مناسيب نهري بو وإلبو إلى مستويات غير مسبوقة، حيث وصلت تدفقاتهما إلى ما بين 8 و 12 ضعف معدلاتها الطبيعية.
كانت مدينة كالجاري هي الأكثر تضررًا. أُجبر ما بين 80,000 و 110,000 شخص على إخلاء منازلهم في 26 حيًا، وهو واحد من أكبر عمليات الإجلاء في تاريخ كندا. غمرت المياه أجزاء واسعة من وسط المدينة، بما في ذلك مناطق رمزية مثل ملعب سادلدوم وموقع مهرجان ستامبيد. تطلبت الاستجابة إعلان 32 حالة طوارئ محلية في جميع أنحاء جنوب ألبرتا ونشر 2,200 جندي من القوات الكندية للمساعدة في جهود الإغاثة.
أسفرت الفيضانات عن مقتل خمسة أشخاص وقُدرت الأضرار التي لحقت بالممتلكات بما يتراوح بين 5 و 6 مليارات دولار، مما يجعلها واحدة من أغلى الكوارث الطبيعية في تاريخ كندا. كانت الفيضانات بمثابة تذكير صارخ بضعف البنية التحتية الحضرية في مواجهة الظواهر الجوية المتطرفة، وأثارت نقاشات حيوية حول التكيف مع تغير المناخ والحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية القادرة على الصمود.
4.3 جرائم وأحداث أمنية بارزة
إلى جانب الكوارث الكبرى، شهدت هذه الفترة عددًا من الجرائم والأحداث الأمنية التي استحوذت على اهتمام الرأي العام وأثارت نقاشات وطنية.
في 29 يناير 2012، صدر حكم بالإدانة في قضية مقتل عائلة الشافعي، حيث أدين الأب والأم والابن بقتل أربع من بناتهم وأفراد أسرتهم فيما وُصف على نطاق واسع بأنه "جريمة شرف". أثارت هذه القضية المروعة نقاشًا وطنيًا مؤلمًا حول العنف ضد النساء، والقيم الثقافية، والتحديات التي تواجه المهاجرين الجدد في كندا.
في 16 يوليو 2012، شهدت مدينة تورونتو أسوأ حادث إطلاق نار جماعي في تاريخها، عندما اندلع العنف في حفل شواء في شارع دانزيغ، مما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة 24 آخرين. سلط هذا الحادث الضوء على قضية عنف العصابات والأسلحة النارية في المناطق الحضرية.
وفي 18 سبتمبر 2013، وقعت مأساة أخرى في قطاع النقل، عندما اصطدمت حافلة ركاب ذات طابقين تابعة لشركة OC Transpo بقطار ركاب تابع لشركة Via Rail عند تقاطع في أوتاوا. أسفر الحادث عن مقتل ستة أشخاص، من بينهم سائق الحافلة، وأثار تساؤلات جدية حول سلامة تقاطعات السكك الحديدية وتصميم الحافلات ذات الطابقين.
عكست هذه الأحداث المتنوعة، من الكوارث الطبيعية إلى الجرائم المروعة، مجموعة من التحديات التي واجهت المجتمع الكندي، وأبرزت الحاجة المستمرة إلى تحسين أنظمة السلامة العامة والوقاية من الكوارث ومعالجة القضايا الاجتماعية المعقدة.
الفصل الخامس: كندا على الساحة العالمية والثقافية
في خضم التوترات السياسية والمآسي الوطنية، شهدت فترة 2012-2013 أيضًا لحظات من الفخر والإلهام الجماعي التي عززت الهوية الكندية على الساحتين العالمية والثقافية. من الإنجازات الرياضية في الأولمبياد إلى المغامرات الفضائية التي أسرت العالم، قدمت هذه الأحداث سردًا بديلاً وإيجابيًا عن كندا.
5.1 أولمبياد لندن 2012: لحظات من الفخر الوطني
في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2012 في لندن، قدمت كندا أداءً قوياً، حيث شارك وفد مكون من 277 رياضيًا. نجح الفريق الكندي في معادلة حصيلته من الميداليات في أولمبياد بكين 2008، حيث فاز بما مجموعه 18 ميدالية: ذهبيتان، وست فضيات، وعشر برونزيات.
كانت هناك العديد من الإنجازات الفردية والجماعية البارزة. فازت روزي ماكلينان بالميدالية الذهبية في منافسات الترامبولين للسيدات، وهو إنجاز رائع أسر قلوب الكنديين. وفي ألعاب القوى، حقق ديريك دروين الميدالية الفضية في مسابقة الوثب العالي، وهي أول ميدالية أولمبية لكندا في هذا الحدث منذ عام 1976. كما شهدت الدورة الظهور الأول لمسابقة مطاردة الفرق للسيدات في الدراجات الهوائية على المضمار، حيث فاز الثلاثي الكندي المكون من تارا ويتن، جاسمين غليسر، وجيليان كارلتون بالميدالية البرونزية.
لكن اللحظة الأكثر رمزية وتأثيراً بالنسبة للكنديين كانت فوز المنتخب الوطني لكرة القدم للسيدات بالميدالية البرونزية. في مباراة مثيرة ضد فرنسا، سجلت ديانا ماثيسون هدف الفوز في الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع، لتمنح كندا انتصارًا دراماتيكيًا بنتيجة 1-0. كانت هذه أول ميدالية أولمبية لكندا في رياضة جماعية تقليدية منذ عام 1936، وأصبحت قصة صمود الفريق وشجاعته، بقيادة الكابتن كريستين سنكلير، مصدر إلهام وطني.
جدول 5.1: الحائزون على الميداليات الكندية في أولمبياد لندن الصيفي 2012
| الرياضي (الرياضيون) | الرياضة | الحدث | الميدالية |
|---|---|---|---|
| روزي ماكلينان | الجمباز | ترامبولين السيدات | ذهبية |
| كريستين جيرارد | رفع الأثقال | وزن 63 كجم للسيدات | ذهبية |
| ريان كوكرين | السباحة | 1500 متر حرة للرجال | فضية |
| آدم فان كويفردن | التجديف بالكاياك | K-1 1000 متر للرجال | فضية |
| ديريك دروين | ألعاب القوى | الوثب العالي للرجال | فضية |
| تونيا فيربيك | المصارعة | حرة 55 كجم للسيدات | فضية |
| فريق التجديف الثماني للرجال | التجديف | ثماني الرجال | فضية |
| فريق التجديف الثماني للسيدات | التجديف | ثماني السيدات | فضية |
| أنطوان فالوا-فورتييه | الجودو | وزن 81 كجم للرجال | برونزية |
| برنت هايدن | السباحة | 100 متر حرة للرجال | برونزية |
| مارك أولدرشو | التجديف بالكاياك | C-1 1000 متر للرجال | برونزية |
| كارول هوين | المصارعة | حرة 48 كجم للسيدات | برونزية |
| مارك دي جونغ | التجديف بالكاياك | K-1 200 متر للرجال | برونزية |
| ريتشارد واينبرغر | السباحة | 10 كم في المياه المفتوحة للرجال | برونزية |
| جينيفر أبيل وإيميلي هيمانز | الغطس | 3 أمتار متزامن للسيدات | برونزية |
| ميغان بنفيتو وروزالين فيليون | الغطس | 10 أمتار منصة متزامن للسيدات | برونزية |
| جيليان كارلتون، جاسمين غليسر، تارا ويتن | الدراجات الهوائية | مطاردة الفرق للسيدات | برونزية |
| منتخب كندا الوطني لكرة القدم للسيدات | كرة القدم | بطولة السيدات | برونزية |
المصادر:
5.2 كريس هادفيلد: رائد فضاء يلهم أمة
في أواخر عام 2012، انطلق رائد الفضاء الكندي كريس هادفيلد في مهمة استمرت خمسة أشهر على متن محطة الفضاء الدولية (ISS). وفي مارس 2013، صنع التاريخ عندما أصبح أول كندي يتولى قيادة المحطة. لكن إرث هادفيلد تجاوز هذا الإنجاز العلمي والتاريخي.
تحول هادفيلد إلى ظاهرة عالمية بفضل استخدامه المبتكر والمكثف لوسائل التواصل الاجتماعي من الفضاء. من خلال حسابه على تويتر ومقاطع الفيديو التي نشرها على يوتيوب، قدم هادفيلد للعالم نافذة غير مسبوقة على الحياة في الفضاء. شارك صورًا مذهلة لكوكب الأرض، وأجرى تجارب علمية بسيطة، وأجاب على أسئلة الجمهور، وأظهر تفاصيل الحياة اليومية في بيئة منعدمة الجاذبية. لقد نجح في جعل الفضاء يبدو قريبًا ومتاحًا ومثيرًا للاهتمام لملايين الأشخاص حول العالم.
وصل تأثيره الثقافي إلى ذروته عندما سجل وأدى نسخة مؤثرة من أغنية ديفيد بوي الشهيرة "Space Oddity" وهو يطفو داخل محطة الفضاء الدولية. حقق الفيديو نجاحًا فيروسيًا هائلاً وأصبح رمزًا للإبداع البشري والجمال العلمي. لم تكن مهمة هادفيلد مجرد إنجاز علمي لكندا، بل كانت حدثًا ثقافيًا وطنيًا بامتياز، ولدت موجة هائلة من الفخر والاهتمام بالعلوم والفضاء. عند عودته إلى الأرض وتقاعده في يونيو 2013 بعد مسيرة مهنية استمرت 35 عامًا، كان قد رسخ مكانته كواحد من أكثر الشخصيات العامة المحبوبة والمُلهمة في كندا.
5.3 المشهد الثقافي والفني: جوائز وإنجازات
عكس المشهد الفني والثقافي في كندا خلال هذه الفترة حيوية وتنوعًا كبيرين، وهو ما تجلى في الجوائز المرموقة التي احتفت بالإبداع الكندي.
في عالم الموسيقى، شهدت جوائز جونو (Juno Awards) تتويج فنانين من أجيال وأنماط مختلفة. في عام 2012، كانت المغنية فيست (Feist) وفرقة الروك ذا شيبدوغز (The Sheepdogs) من بين أكبر الفائزين، حيث فازت فيست بجائزة فنان العام، وفازت الفرقة بجائزتي أغنية العام وأفضل فرقة جديدة. أما في عام 2013، فقد هيمنت ظاهرة البوب العالمية كارلي راي جيبسن على الجوائز، حيث فازت بجائزة ألبوم العام وأغنية العام عن أغنيتها الشهيرة "Call Me Maybe". كما تم تكريم الأسطورة ليونارد كوهين بجائزة فنان العام وكاتب الأغاني للعام، مما يعكس اتساع نطاق المواهب الموسيقية الكندية.
في مجال السينما والتلفزيون، شهد عام 2013 انطلاق جوائز الشاشة الكندية (Canadian Screen Awards)، وهي مبادرة جديدة دمجت بين جوائز جيني (للأفلام) وجوائز جيميني (للتلفزيون) في حفل واحد. في دورتها الأولى، كان الفائز الأكبر هو فيلم "ساحرة الحرب" (War Witch / Rebelle) للمخرج كيم نغوين، الذي حصد 10 جوائز بما في ذلك جائزة أفضل فيلم. وفي فئات التلفزيون، فاز مسلسلا "Flashpoint" و "Less Than Kind" بجوائز أفضل مسلسل درامي وأفضل مسلسل كوميدي على التوالي.
وفي مجال الأدب والفنون المسرحية، استمرت جوائز الحاكم العام (Governor General's Awards) في تكريم أفضل الإنجازات. في عام 2013، فازت إليانور كاتون بجائزة الرواية عن روايتها "The Luminaries"، بينما مُنحت جوائز الإنجاز الفني مدى الحياة لشخصيات بارزة مثل المنتج الموسيقي دانيال لانوا والمخرجة والممثلة سارة بولي. وفي استطلاع للرأي أُجري عام 2013 حول الرموز الوطنية، أظهر الكنديون اعتزازهم الكبير بميثاق الحقوق والحريات والعلم الوطني، حيث اعتبرهما أكثر من 90% من المشاركين رموزًا هامة للهوية الكندية.
خاتمة: عامان من التحولات والتحديات
كانت الأعوام 2012 و 2013 فترة حاسمة في التاريخ الكندي الحديث، تميزت بتفاعل معقد بين القوة الحكومية المركزة والحركات الاجتماعية الناشئة، وبين الصمود الاقتصادي والمآسي الوطنية، وبين الفخر الثقافي والانقسام السياسي. يمكن تلخيص هذه الفترة بأنها كانت محكومة بتوتر أساسي بين أجندة حكومة هاربر المحافظة، التي استخدمت أغلبيتها البرلمانية لتنفيذ تحولات جذرية في سياسات البلاد، وبين ردود الفعل الشعبية القوية التي تحدت هذه الأجندة من الشارع.
ترتبط خيوط هذا التقرير ببعضها البعض بشكل وثيق. فالسياسات الاقتصادية التي ركزت على "الوظائف والنمو"، كما ورد في الفصل الثاني، كانت هي المبرر وراء الأجندة التشريعية الطموحة التي تم تفصيلها في الفصل الأول. وبدورها، كانت هذه التشريعات، وخاصة مشروع القانون الشامل C-45، هي الشرارة المباشرة التي أشعلت حركة "Idle No More"، إحدى أبرز الحركات الاحتجاجية التي تناولها الفصل الثالث. وبالمثل، فإن الازدهار في قطاع الموارد الطبيعية، الذي ساهم في صمود الاقتصاد، حمل في طياته مخاطر تنظيمية وبنيوية تجلت بشكل مأساوي في كارثة قطار لاك ميغانتيك، كما أوضح الفصل الرابع. وفي خضم هذه التحديات، قدمت الإنجازات الثقافية والرياضية، التي تم استعراضها في الفصل الخامس، متنفساً ولحظات من الوحدة الوطنية التي كانت بمثابة ثقل موازن للتوترات السائدة.
لم تنتهِ تداعيات أحداث 2012 و 2013 مع نهاية تلك الفترة. استمرت فضيحة نفقات مجلس الشيوخ في إحراج الحكومة لسنوات، وأثرت على ثقة الجمهور في المؤسسات السياسية. أرست الحركات الاجتماعية، مثل إضراب طلاب كيبيك و "Idle No More"، نماذج جديدة للنشاط المدني في العصر الرقمي، وتركت إرثًا دائمًا في النقاشات الوطنية حول التعليم وحقوق السكان الأصليين. كما أن الأسئلة القانونية والتنظيمية التي أثارتها كارثة لاك ميغانتيك وفيضانات ألبرتا أدت إلى مراجعات سياسية عميقة استمرت لسنوات.
في جوهرها، كانت فترة 2012-2013 بمثابة نقطة تحول. لقد كشفت عن خطوط الصدع في المجتمع الكندي، وأعادت تشكيل التحالفات السياسية، وأبرزت قوة الحركات الشعبية في مواجهة السلطة. مهد الاستقطاب السياسي الذي ساد هذه الفترة الطريق لانتخابات فيدرالية حاسمة في عام 2015، والتي شهدت نهاية عقد من حكم المحافظين. وبذلك، لم تكن هذه الأعوام مجرد فترة من الأحداث المنفصلة، بل كانت مرحلة تأسيسية شكلت بشكل عميق مسار كندا السياسي والاجتماعي لما تبقى من العقد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق